تعاليم الوزير بتاح حتب لابنه الادب المصري القديم

يبدا بتاح حتب كتابة مخاطبا ملك مصر ويقول:

يا سيدي صاحب السيادة،
السن كِبِر، والمرض نِزِل، والتعب قرّب، والضعف بيزيد.
الواحد بقى لازم ينام قيلولة كل يوم زي العيل الصغير.
النظر بقى ضبابي، والودان مبتسمعش،
والقوة بتروح من كتر الإرهاق.
البُق ساكت ومبقاش بيتكلم،
والذاكرة راحت ومبقاش فاكر حتى امبارح.
تتألم العظام من شدة الضعف،
واللذة بقت تقيلة على النفس، وكل طعم راح.
الشيخوخة بتعمل في الناس حاجة مزرية جدًا.
المناخير بتنسد ومبتعرفش تتنفس،
وحتى الوقوف والقعدة بقوا متعبين.

اسمح لخادمك المتواضع يعيّن حد يساعده في شيخوخته،
واسمح لابني إنه يمسك مكاني من بعدي.
وعشان كده هعلّمه أحكام القضاة، وحكمة اللي عاشوا في الأزمنة اللي فاتت،مل
اللي كانوا بيسمعوا لكلام الآلهة.
وكده يتعمل لك نفس اللي اتعمل قبل كده؛
والخلاف يختفي من وسط الناس،
وضفتي النهر الاثنين يخدموك.

ثم قال جلالة الإله:

قبل ما تتقاعد، علّمه اللي اتقال في الماضي.
بعد كده هيكون قدوةً لأبناء النبلاء، لما يتملي بالفهم والدقة.
علّمه، متولدش حد حكيم

١) ما تتكبرش بسبب معرفتك، خُد رأي اللي متعلمش زي ما بتاخد رأي المتعلم، لأن مافيش حد وصل لكمال الفهم، ولا فيه صنايعي أتقن صنعته مية في المية. النصيحة الكويسة أندر من الزمرد، ومع كده ممكن تلاقيها حتى عند ستات اللي شغالين علي احجار الطحن

سيده مصرية قديمة تقوم بطحن الحبوب باستخدام احجار الطحن

٢) لو واجهتَ خصمًا عدوانيًا (في المحكمة)، عنده نفوذٍ وتميز مقارنه بيك فأنزل ذراعيك وانحنِ، لو وقفتَ في وجهه فلن يستسلم لك. عليك أن تستخفّ بكلامه العدائي، متعارضوش في شدّة غضبه. والنتيجة ستكون أنه سيُوصَف بالفظاظة، وسيكون ضبطك لغضبك مساويًا لثرثرته.

٣) إذا واجهتَ خصمًا عدوانيًا، نِدًّا لك، من نفس مكانتك الاجتماعية، فستُثبت أنك أكثر استقامةً منه بالصمت، بينما هو يتكلم بدافع الانتقام. سيكون تداوُل القضاة في الأمر جادًّا ومهيبًا، لكن اسمك سيُبرَّأ ويُزكّى في حكم القضاة والحكّام.

٤) ولو وقفت قدّام خصم عدواني، واحد أقل منك مكانة ومش نِدّك، ما تنزلش لمستواه ولا تهاجمه على قد ضعفه.
سيبه على حاله، وهو هيبوّظ نفسه بنفسه. ما تردّش عليه علشان تطلّع غِلّك، وما تفرّغش غضبك على حسابه.
مسكين اللي يضطهد واحد أضعف منه. وفي الآخر الأمور هتمشي على مزاجك، وإنت هتغلبه بلوم وحكم القضاة.

٥) إذا كنتَ حاكمًا مسؤولًا عن شؤون الشعب، فابحث عن كل فرصة لفعل الخير،
لكي لا يكون في أفعالك نقص.
عظيمة هي ماعت، وأساسها راسخ،
لم تتزعزع منذ زمن أوزيريس،
ومن يخالف القوانين يجب أن يُعاقَب.
في نظر الرجل الطمّاع لا ينتبه إلى أن المال قد يُفقد بالغش،
وأن الظلم لا يؤدّي إلى النجاح.
يقول: «سأحصل على المال لنفسي»،
ولا يقول: «سأحصل على المال باجتهادي».
ولكن في النهاية، ماعت هي التي تبقى،
وقد يقول الرجل الأمين: «هذا ميراثي».

ملحوظة من المترجم: ماعت هيه قوانيين بني عليها النظام القضائي في مصر القديمة في الدنيا والحساب بعد الموت. جت في صورة اعترافات سلبية يقولها المتوفي امام محكمة اوزوريس. زي: انا مسرقتش, انا مقتلتش, انا متكبرتش علي الناس, انا ملوستش ماء النهر…الخ

٦) لا تُثيروا الخوف في الناس، وإلا سيُعاقبكم الله بالمثل. قد يُقرر المرء أن يعيش على هذا النحو، ٧ ولكنه سيُحرم في النهاية من قوت يومه. قد يُقرر المرء أن يُصبح غنيًا، فيقول: «سأستولي على كل ما أراه». قد يُقرر المرء أن يخدع غيره، ولكنه سينتهي به الأمر إلى إعطاء (مكاسبه) لغريب تمامًا. ليس ما يُدبّره الناس هو ما يحدث، بل ما يُقدّره الرب هو ما يحدث. فعيشوا إذًا قانعين، وليكن ما يعطونه من تلقاء نفسه.

١٠) إن كنتَ متواضعًا وخادمًا لرجلٍ ثري، فليكن سلوكك كله بلا عيب أمام الله. وإن علمتَ أنه كان فقيرًا في السابق، فلا تحتقره لمجرد معرفتك بماضيه. بل احترمه بما صنع من نفسه، فالثروة لا تأتي من تلقاء نفسها، بل هي جزاءٌ من الله لمن يرضى عنه. أما ممتلكاته، فقد جمعها بنفسه، ولكن الله هو الذي جعله محترمًا، ويحفظه حتى في نومه.

١١) اتبع قلبك مادمت حيا. متشغلش علي اكتر من اللي اطلب منك. لا تضيع وقت اتباع القلب. لان اضاعة الوقت دا يضر الروح. لا تُضيّع ساعات النهار فيما عدا ما هو ضروري لتدبير شؤون منزلك. وعندما تُجمع الثروة، اتبع قلبك، فالثروة لا تُجدي نفعاً إن كانت عبئاً.

ملحوظة من المترجم: كان القدماء المصريين يعتقدون ان القلب مركز التفكير والاحساس معا. اتباع القلب يعني اتبع رغباتك المتماشيه مع القانون الاخلاقي لماعت. اتباع القلب يدل ان قوانيين الماعت تنبع من داخل قلب الانسان وليس غريبه عنه

١٤) إذا كنتَ بين الناس، فاكسب لنفسك أنصارًا موثوقين.
فالرجل الموثوق هو الذي لا ينشر الكلام بين الناس؛
وهو بنفسه سيصبح صاحب منصب، ورجلًا ذا مال، بفضل حسن أدائه.
أمّا سمعتك الطيبة، فلا تتحدث عنها بنفسك.
اهتمّ بجسدك، لكن وجّه عنايتك إلى الناس، وسيُثني عليك الناس دون أن تشعر أو تدري.
وأمّا من يطيع قلبه معدته، فإنه يجلب على نفسه الاحتقار بدل الاحترام.
قلبه كئيب وجسده بائس.
عِظام القلوب هم الذين أقامهم الإله، أمّا من يصغي إلى معدته، فهو أسوأ أعداء نفسه.

١٧) إن كنتَ صاحبَ سلطة، فاصبر عند الاستماع إلى طالبِك،
ولا تُصرفه حتى يُفصح لك عن كل ما كان يريد قوله.
فالمظلومُ يرغب في التعبير عن ضيقه وإحباطه
أكثر من رغبته في إنجاز العدالة التي جاء من أجلها.
وأمّا الذي يردّ العرائض ويُقصي أصحابها، فيقول الناس عنه: «لِمَ رفضها أصلًا؟»
وليس كل ما يُقدَّم في الشكوى سيُنفَّذ، لكن حسن الاستماع والتعاطف وسيلةٌ لتهدئة القلب وتسكينه.

١٩) إن أردتَ أن تكون حياتك بلا لوم، فابتعد عن كل شر.
احذر من دناءة الطمع، فهو بلاءٌ خطيرٌ وداءٌ عضال، ومن يقع فيه لا شفاء منه.
إنه يُثير الخلاف بين الآباء والأمهات والإخوة من جهة الأم،
ويُمرِّر مشاعر الأحبة، ويُبعد الرجل الأمين عن سيده، ويُفرِّق الزوجة عن زوجها.
إنه احتواءٌ لكل شر، ومزيجٌ من كل ما هو بغيض.
أما الرجل الذي يُتقن الاستقامة ويسلك وفقًا لمقامه، فسيصمد، وسيُخلِّد ذكراه، أما الطمّاع فلن يكون لهم قبر.

٢٠) ما تبقاش أناني في الميراث وما تطمعش في أكتر من نصيبك.
وما تبقاش أناني مع قرايبك، لأن حق الإنسان الطيب أكبر من حق اللي بيزعق ويطالب بصوت عالي.
واللي يسيب قرايبه يبقى فقير بجد، لأنه ما عندوش الرحمة اللي تخليه يستجيب لطلباتهم.
حتى القليل من الحاجة اللي الواحد نفسه فيها ممكن يهدي واحد متضايق

٢٢) أسعد أصدقاءك بما رزقك الله، فما رزقك الرب فهو نعمه منه. أما من لا يُسعد أصدقاءه، فسيقول الناس إنه أناني. لا أحد يعلم ما سيحدث غدًا، والصالح هو الذي به يُرزق الناس. إذا عمل المرء أعمالًا تستحق الثناء، يقول له أصدقاؤه: أحسنت! لا يستطيع المرء أن يُرضي مدينة بأكملها، لكنه يستطيع أن يُسعد أصدقاءه عند الحاجة.

٢٣) ما تكرّرش التشهير، وما تسمعش له، ده كله كلام فاضي من واحد قليل الأدب.
قول بس اللي شوفته بعينك، مش اللي سمعته، يا إمّا انساه خالص وما تقولش حاجة،
لإن اللي بيسمعك بيعرف يميّز إيه اللي يتصدق وإيه لأ.
لما الضرايب تتفرض وتتطبّق، الناس بتكره الجابي زي ما بتكره القرار نفسه.
التشهير زي الكابوس؛ ابعد عنه واقطع علاقتك بيه.

٢٤) ان كنت رجل موضع ثقه ممن يجلسون في مجلس سيدهم، فوجِّه اهتمامك إلى التميّز
إن صمتك أنفع لك من كثرة الكلام، فلا تتكلم إلا إذا علمتَ أنك مؤهَّل لذلك.
إنما يَحسن الكلام في المجلس لأهل الإتقان،
فالكلام أصعب من أي حِرفة، ولا يمنحه الهيبة والسلطان إلا القادرون الأكفّاء

ملحوظة من المترجم: سيدهم هنا في النص تعود علي ملك مصر

٢٥) إذا كنتَ ذا نفوذ، فعليك أن تُرسّخ احترام الآخرين لك بالمعرفة واللباقة في الكلام. لا تكن متسلطًا إلا في الأمور الرسمية، فالعدواني يُلاقي المتاعب. لا تكن متكبرًا لئلا تُهان، ولا تصمت، ولكن احذر من الإساءة حين تُجيب بغضب.
أدر وجهك وسيطر على نفسك، فنيران الغضب تنتشر بسرعة، أما الشخص الودو فيتوخى الحذر عند الإساءة. من كان صارما طوال اليوم لن ينعم بلحظة سعيدة، ومن كان طائشًا طوال اليوم لن يُؤسّس بيتًا لنفسه.
من يسعى للسيطرة المطلقة زي اللي ماسك الدفّة وهو داخل على المرسى،
بس في الآخر واحد تاني هو اللي بيربط المركب.
أما من يُطيع قلبه فيُحافظ على النظام.

٢٧) بلّغ المسؤول باللي ينفعه، وخلي الناس تقبله.
خلّي حكمته تبقى معروفة عند سيده، وساعتها هيجيلك خير كتير من كرمه.
صاحب الطبع الكويس فيه خيرك، لإنه حماية ليك.
ورضاه هيبقى عليك دعماً لبيتك،
تحت سيدك الكريم اللي إنت مخلص له.
اسنده بالشكل ده، وهو كمان هيديك سند قوي.
وكمان المحبة ليك هتفضل ثابتة في قلوب اللي بيقدّروك.
شوف، اللي بيحسن السماع بيبقى مكرّم ومكانته عالية.

٢٨) لو لقيت نفسك شغال مسؤول كبير في البلاط، ومتعيّن تفصل في الخلافات بين الناس،
ربّي جواك عدم التحيّز.
وإنت بتتكلم ما تميلش لطرف دون التاني.
خد بالك لا حد يطلع يقول قدّام القضاة:
«ده بيقلّب القضية على مزاجه». ساعتها تصرّفك هيبقى إدانة ليك إنت.

٣٤) خليك كريمًا ما دمتَ حيًا، فما يخرج من الخزانة لا يعود إليها، والناس يتوقون إلى الخبز الذي يُعطى بسخاء. من كان جوعانًا فهو مُتَّهِم، ومثل هذا الخصم يصبح نذير شؤم؛ فلا تتخذه صديقًا. الرحمة هي نصب تذكاري للرجل طوال السنوات التي تلي توليه منصبه.

٣٩) السماع نافع للابن اللي عاوز يسمع، لما اللي بيتسمع يرسخ جواه،
اللي سمع يبقى هو نفسه أهل إنه يتسمع له.
كويس إن الواحد يسمع، وكويس إنه يتكلم،
بس اللي بيعرف يسمع هو اللي معاه الفايدة. السماع نافع للي بيسمع،
والسماع أحسن من أي حاجة، لإن منه بتتولد المودة الطيبة.
قد إيه حلو إن الابن يقبل كلام أبوه، لإن كده الشيخوخة هتيجي له وهو ثابت.
اللي بيسمع الرب راضي عنه،واللي الرب ساخط عليه ما بيسمعش.
القلب هو اللي بيخلّي صاحبه يا يسمع يا ما يسمعش.
حياة الإنسان وخيره وصحته كلهم في قلبه.
اللي بيسمع هو اللي بيركّز في اللي بيتقال، واللي عنده استعداد يسمع
هو اللي بينفّذ اللي اتقال له.
قد إيه حلو لما الابن يسمع كلام أبوه، وقد إيه يكون فرحان
اللي يتقال عنه:«ابني مرضيّ، عشان بيعرف يطيع».
أما اللي بيسمع الكلام اللي بيتقال له،
هيبقى معتمد على نفسه، ومحل احترام عند أبوه.
والناس ديما هتفتكره، اللي عايشين دلوقتي واللي لسه هييجوا.

٤٠) لو الرجل الشريف خد كلام أبوه وحطه في قلبه، ولا مسعى من مساعيه هيفشل.
علّم ابنك يكون سامِع كويس، واحد ليه تقدير في قلوب الأشراف،
يضبط كلامه على حسب اللي اتقال له، ويعترف بمين اللي لازم يتطاع.
ده الابن اللي يبقى متفوّق، وأفعاله تبقى مميّزة.
إنما الغلط متأصّل في اللي ما بيسمعش.
تربية الحكيم بتوصّله للنجاح، أما الجاهل بيتعب على الفاضي.

٤١) أما الأحمق اللي ما بيسمعش، عمره ما ينجز حاجة.
بيشوف المعرفة في الجهل، ويشوف النافع في اللي مضرّ.
بيعمل كل اللي منفر، لحد ما الناس تغضب منه يوم ورا يوم.
بيعيش على اللي غيره بيموت بسببه، والكذب في الكلام هو أكله وشربه.
طبعه معروف عند أهل السلطة، صورة لإنسان ميت وهو عايش، يوم بعد يوم.
والناس بتطنّش أفعاله الغبية،
من كتر المصايب اللي بتنزل عليه كل يوم.

٤٣) ما تقولش كلام وبعدين ترجع فيه، وما تحطّش حاجة مكان حاجة.
خلي بالك ما تسيبش نفسك وتفلت أعصابك، وسيّب مجال لكلام الحكيم، واسمع كويس.
لو عايز تبقى مطمّن في اثر كلامك علي الناس اللي بتسمعك.
الأول ابقى خبير وساعتها هتعرف تتكلم صح وبنجاح كامل، وكل اللي تعمله هيبقى مظبوط.

٤٤) اكبح جماح نفسك، وتحكم في لسانك، فحينئذٍ سيُقبل نصيحتك لدى المسؤولين.
كن دقيقًا تمامًا مع سيدك، وتصرف بحيث يقول الناس عنه: «هو ابن فلان»،
ويقول السامعون: «طوبى لمن أنجبه».
كن دقيقًا في كلامك، حتى تقول ما هو ذو أهمية.
فحينئذٍ سيقول المسؤولون الذين يستمعون: «ما أعظم كلامه!».

٤٥) اتصرّف بطريقة تخلي سيدك يقول عليك:
«اتربّى أحسن تربية على إيد أبوه اللي خلّفه من صُلبه.
أكيد كان بيكلمه وهو لسه في بطن أمه، لإن اللي حقّقه أكتر من اللي اتقال له».
خُد بالك، الابن الكويس اللي ربنا يديه هو اللي يعدّي اللي سيده قاله له.
هو اللي يعمل بالماعت، لإن قلبه هو اللي ماسك تصرّفاته.
وإنت دلوقتي بتستلم مكاني، وجسمك ثابت وصحتك كويسة،
والملك راضي عن كل اللي حصل، أتمنى تعيش سنين طويلة.
اللي عملته في الدنيا مش قليل، عشت مية وعشر سنين ادّهالي الملك،
وخدت تكريمات أكتر من اللي خدها اللي قبلي.
وكل ده حصل عشان كنت بعمل بالعدل للملك لحد ما وصلت لمقام التبجيل».

وده اتنقل من أوله لآخره
زي ما كان مكتوب بالظبط.


أضف تعليق